حين تتحول بسمة الأطفال إلى مجرد ذكريات.. يكون القاتل طائرة أميركية بدون طيار
When you lose a child smile
Be deadly U.S. drone!!
why did you kill my family ?
بكثير من الوجع والحزن، قال: ابنتي وفاء قتلتها طائرة أميركية بدون طيار.. كيف لي أن أعيش، وأعود كل مساء محمل بالتعب، ولا تهرع وفاء ابنتي، وهي تعطر روحي، بمناداتها باباه.. أحبك يا باباه، وتطير نحوي لتطوق عنقي بذراعيها الغضين، وتزرع بقٌبلها وسط قلبي، كل يوم ميلاد جديد لي.
أضاف: وفاء أبنتي أحبك، وفاء.. وخنقته الغصة وكان الدمع قد بلل خديه وصولاً إلى عنقه.. صمت للحظات وهو يقلب طرفه في الأفق يبحث عن فلذة كبده وفاء، ثم تساءل بصوت مكتظ بالوجع: لماذا قتلت طائرة الموت اللعينة، الطائرة الأميركية بدون طيار، لماذا قتلت وفاء وروحها الحالمة بالضوء، ثم انهار كلياً وهو ينزف إلى ما لا نهاية.
عيد الفطر
الساعة العاشرة صباحاً، سابع أيام عيد فطر المبارك، السابع من سبتمبر العام 2011، في محافظة أبين، لم تكن تدخر الطفلة وفاء، سوى فرح وبهجة، ولم تكن تحمل في وجدانها غير الفرح، وانتظار والدها لأن يشري لها قطعة حلوى، إلا أن صاروخ “دورنز” توجه من طائرة أميركية بدون طيار، كان أكثر قرباً من الحلوى، وبدلاً عن البسمة التي كانت تدخرها لتزرعها في فضاء العيد، والقٌبلة التي كانت ستهديها خد والدها، زرعت بمقتلها فاجعة في روح والديها وحزن لن ينتهي إلا بموتهما.
لحظات فارقة في حياة محمد احمد بجاش، بكل تأكيد لم يكن يدركها.. يستحضرها ويتألم وهو يحكي عن مأساة عاشها في صباحات قاتمة من العام 2011م.. مسترجعاً خيط ذكريات أليمة عن قصة وفاة طفلته وفاء ( 8 سنوات) التي قتلها صاروخ “درونز” أميركي أنهى حياتها إلى الأبد دون أن يترك لأبيها وأمها سوى صورها وكثير من الوجع..
يتذكر محمد بجاش، لحظة كان يلملم مخ طفلته من الأرض، ويحتضنها قبل أن تفارق الحياة ويجهش بالبكاء.. والد الشهيدة وفاء محمد احمد محمد بجاش يحكي القصة الكاملة ويقول: 7سبتمبر 2011م العاشرة صباحا ذهبنا في سابع من أيام عيد الفطر المبارك، ذهبنا أنا وأطفالي حليمة وصابر والشهيدة وفاء، لشراء الخضروات فلم نسمع إلا بصاروخ، فهربنا خائفين باتجاه البيت، وجراء الهلع غيرنا التوجه إلى مدرسة الأوائل الأهلية في “جعار” فهربنا من الموت إلى الموت في البدروم، لكن الموت كان أسبق.
ويضيف” شعرنا بصاروخ يقع أمام المدرسة، والشظايا المتطايرة أخذت رأس ابنتي وفاء البالغة من العمر ثمان سنوات، مما تسبب في إخراج مخها عن رأسها كما وأٌصيب ابني سامر المولود في 1996م “، حاولت أن سعفها وأخذها مع المخ الخارج من رأسها، وابني المصاب بركبته الذي لا يقوى على المشي، كي أسعفهما.
إنه موقف مأساوي، حاولت إسعافهما إلى منطقة باتيس بواسطة سيارة الصحفي عصام علي محمد، لكن وفاء لفظت أنفاسها الأخيرة في نصف الطريق، أما ولدي سامر فتم معالجته وتسفيره إلى عدن كما أصبت في كتفي” سرد بجاش هذه الأحرف المرة عن الحادثة.. والدمع تنحدر على خديه دون أن يستطيع إخفاءها.
ينفجر باكياً
ومن بعد ذلك اليوم لم يعد لوالد ووالدة الطفلة وفاء، التي قتلتها طائرة أميركية بدون طيار، سوى بقايا صور للذكريات وكثير من الوجع والألم يتذكره بجاش” الذي لا يتوقف عن تكرار القول: يا أخي إنها مأساة.. تخيل قبل خمس دقائق وطفلتك تلعب بين يديك، ثم يأتي القدر وفجأة تصبح فلذة كبدك أشلاء بين يديك، دون أن تستطيع أن تقدم له شيء، إنه القدر يأخذ حياتك من بين يديك، دون مقدرتك على مجابهته..” وينفجر بجاش باكياً..
قبل ما تسرق طائرة بدون طيار ابنته منه، كان قبل تلك اللحظات من الضربة القاتلة، يداعب ابنته وفاء ” يقول بجاش: قبل خمسة دقائق كنت أضم ابنتي بين يدي، ألاعبها وأتنفس ابتساماتها، فجأة تنقطع هذه اللحظة الجميلة من حياتي وتودعني وفاء قبل أن تكمل عامها الثامن.
يتمتم بجاش بكلمات، ثم يهز رأسه كمن كان في غياب وعي، ويقول: يجب إيقاف هذه الضربات، التي تحصد أرواحنا، والرئيس هادي يتحمل كامل المسئولية، عن تساقط مزيد من الأرواح، وكذلك مجلس النواب وكافة المعنيين، وأيضاً الشعب اليمني، أحملهم أمانة الوقوف بجدية ضد هذا الموت القادم من طائرات الموت الأميركية، أطفالنا يعيشون في رعب، هذه أمانة أحملها الجميع.
ذعر الأهالي
“لماذا قتلتم أسرتي؟”.. جملة كتبت على الجدار بالعربية والإنجليزية، في أحد شوارع العاصمة صنعاء، حيث يندد يمنيون بالغارات الأميركية بالطائرات بدون طيار التي يفترض أن تستهدف أعضاء تنظيم القاعدة، لكنها أحيانا تطال أهدافا أخرى.
زينب يحيى ناصر السلف تحمل صورة لابنها حميد الردمي، وحسب تقارير أميركية سرية يُشتبه في انتماءه إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وكان فيما سبق ضابطاً بالجيش، وقد قُتل في غارة بطائرة بدون طيار في وصاب العالي يوم 17 أبريل/نيسان 2013، حيث حلقت طائرتان أمريكيتان بدون طيار فوق وصاب العالي – محافظة ذمار، وأطلقت ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ “هيلفاير” على سيارة تقل وفق التكهنات الأميركية زعيم القاعدة المحلي المزعوم في شبه الجزيرة العربية حميد الردمي، المعروف أيضا باسم حميد المنيع أو حميد مفتاح، وأسفر الهجوم عن مقتل الردمي وسائقه واثنين من حراسه.
في ذلك اليوم وبالقرب من قرية ” مذلب” وهي إحدى قرى محافظة ذمار، قتلت طائرة أميركية الردمي كانت تترصده، ومع اقتراب سيارته إلى أطراف قريته مذلب، بعد التوسط في نزاعات محلية لدى جماعة بني حفص، حوالى الساعة الثامنة والنصف مساء، ضرب صاروخان على الاقل سيارة الردمي رباعية الدفع ما أسفر عن مقتل الردمي، 35 عاماً، وسائقه أكرم أحمد حمود داعر 20 عاماً وحارسه الشخصي إسماعيل المقدشي 28 عاماً، كما توفي حارس آخر اسمه غازي العماد 28 عاماً في وقت لاحق من تلك الليلة متأثراً بجروحه.
وقال السكان حينذاك: إنهم رأوا طائرتين بدون طيار في الأجواء في وقت الغارة وطائرة ثالثة بدون طيار بعد الهجوم مباشرة، وكانت الطائرات بدون طيار تحوم بشكل متقطع فوق وصاب العالي منذ عودة الردمي إلى قريته في عام 2011، واعتقد بعض السكان في البداية أنهم سمعوا انفجاراً متعلقاً بتشييد أول طريق معبد في المنطقة وعندما ركضوا إلى الخارج بعد الانفجار الأول رأى سكان القرية على الأقل صاروخاً ثانياً متجهاً إلى نقطة الضربة.
وبعد الانفجار بدأ عشرات القرويين يهرعون عبر طريق ترابي متعرج باتجاه السيارة المشتعلة، وعندما اقتربوا رأوا جسد الردمي المتفحم ونصفه خارج السيارة، وجثتين أخريين متفحمتين داخل السيارة ورجل رابع خارجها، كان أحمد حمود قائد داعر والد سائق الردمي بين أوائل المتواجدين في موقع الحادث.
وقال والد سائق الردمي لـ هيومن رايتس ووتش: كانت النار مشتعلة كثيرا، لم يجرؤ أحد على الاقتراب وكانت الطائرات تحلق في الأعلى، وسمعت أيضاً شخصاً يصيح “أنا غازي العماد، رجاءً انقذوني”، ولم أستطع عمل شيء.. كان الظلام شديد والدخان يملأ المكان، ولم يكن هناك قمر ولم يكن معي حتى كشاف ضوء، ورأيت ابني متفحماً في المقعد الأمامي مع أني لم أكن حتى أعلم أنه يسوق لحميد في ذلك اليوم .
وآنذاك ذكر السكان إن طائرة بدون طيار ثالثة ظهرت ما فاقم الذعر، وحاول بعض القرويين مواجهة النار لإنقاذ عماد، من بينهم شفيق محمد المقدشي، شقيق الحارس الشخصي الآخر الذي قُتل في الغارة: كانت ساقيه قد تقطعت من الركبة إلى الأسفل وكان ينزف من فمه كثيراً، وقال أشخاص من الذين هرعوا إلى الموقع بعد الانفجار: رأينا لاحقا أنه كان ينزف من بطنه أيضاً وكانت عينيه قد احترقتا، ولم يستطع فتحهم وكان أعمى لا يرى، وكان يصرخ حتى بدأ صوته ينخفض تدريجيا: فانخفض وانخفض وانخفض حتى لم يعد يستطع الكلام.
وقال قائد الفريمي، من وجهاء وصاب العالي وصديق الردمي، إن الانفجار “أرهب الناس”، مؤججاً الغضب: حتى أنه خرج الناس إلى أسطح بيوتهم يصرخون ويشتمون “من هذا الذي يقوم بتفجيرات في الليل، وأرعبت الانفجارات حتى الأطفال والنساء، وخرج البعض من بيوتهم وفر البعض الآخر إلى الطوابق السفلى لبيوتهم – حيث تقطن أبقارهم عادة- من الخوف، وحتى في اليوم التالي، ظلت الطائرات من دون طيار تحلق حتى دفنا الجثث.
صورة فقط
حسين جميل القاولي يحمل صورة ابنه سليم القاولي 20 عاماً، ومحمد القاولي يحمل صورة شقيقه علي القاولي 34 عاماً، وسليم وعلي القاولي قُتلا في غارة طائرة بدون طيار على المصنعة في 23 يناير/كانون الثاني 2013، حيث تم إطلاق صاروخ أو أكثر من طائرة بدون طيار قتلت أربعة أشخاص يستقلون سيارة رياضية على طريق العودة إلى بلدة سنحان، حوالي 20 كيلومتراً جنوب شرق صنعاء، اثنين من الركاب تعتقد المخابرات الأميركية أنهم أعضاء مزعومين في القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ضربت الصواريخ سيارة تويوتا هايلكس في قرية المصنعة، التي تبعد حوالي خمسة كيلومترات عن سنحان، في حوالي الساعة 08:10 مساءً من ذلك اليوم، فدمرت السيارة وقُتل السائق وجميع الركاب الثلاثة، وحددت تقارير إعلامية عديدة اثنين من الرجال بصفتهما عضوان مزعومان في القاعدة في شبه الجزيرة العربية وهما ربيع حمود لاهب وناجي علي سعد، وكان الرجلان الآخران في السيارة هما علي علي القاولي 34 عاماً، وهو مدرس في مدرسة ابتدائية وأب لثلاثة أطفال، وابن عمه، سليم حسين القاولي، 20 عاماً، وهو طالب جامعي كان يقود السيارة المستأجرة من نوع تويوتا، كسيارة أجرة لكسب المال لأسرته.
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، تسببت ضربة نفذتها طائرة بدون طيار في مقتل الزعيم القبلي عدنان القاضي، عمره 40 سنة ويعمل ضابطًا برتبة مقدم في إحدى الوحدات النخبوية في الجيش اليمني، بينما كان واقفًا أمام سيارته في بلدته بيت الأحمر، كما تسببت الغارة في مقتل أحد حراس عدنان القاضي.
وعدنان القاضي المقدم بالفرقة الأولى مدرع، وحسب تقارير المخابرات الأميركية، يُزعم أنه كان عضواً في القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وقد قُتل في ضربة بطائرة بدون طيار استهدفت بيت الأحمر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وقال شقيقه حمير القاضي لـ هيومن رايتس ووتش: “سمعته زوجته يقول “مرحبا”، كانت تلك آخر كلمة قالها. كان دائمًا يقول “مرحبًا” كلما استغرب من شيء ما.
وتوفي عدنان القاضي على عين المكان، بينما توفي صديقه وحارسه الشخصي رضوان الحاشدي، وهو أيضًا شيخ محلي كان يجلس في مقعد السيارة الأمامي، عند وصوله إلى مستشفى قريب، وكان ربيع حمود لاهب، أحد المشتبه فيهم بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، قد سافر في وقت سابق في نفس السيارة، ولكنه نجا من الهجوم.
ثلاثة أطفال
وفي 2 سبتمبر/أيلول 2012، تعرضت سيارة من نوع تويوتا لاندكروزر لهجوم من طائرة حربية أو طائرة بدون طيار قرب مدينة رداع، وتسببت الغارة الناجمة عن صاروخ أو قنبلة في مقتل 12 من ركاب السيارة، بمن فيهم ثلاثة أطفال وامرأة حامل، كما تعرض السائق وراكب آخر إلى حروق خطيرة، ولكنهما تمكنا من النجاة.
وفي 29 أغسطس/آب 2012، تسببت أربع صواريخ أطلقتها طائرة بدون طيار في مقتل خمسة رجال قرب مسجد في خشامر، وهي قرية زراعية بنيت أكواخها بالحجارة والطين في محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، وتسببت الغارة في مقتل ثلاثة مشتبهين بالانتماء إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية كانوا غرباء عن القرية، واثنان من أهم الأشخاص في المجتمع: رجل دين معروف بخطبه المناهضة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وواحد من رجال الشرطة في القرية، وعددهم قليل.
وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2009، بعد ثلاثة أيام من تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية تنظيمًا إرهابيا، أصاب ما لا يقل عن خمسة صواريخ من نوع توماهوك كروز بذخائر عنقودية قرية المعجلة في مديرية المحفد بمحافظة أبين الجنوبية، وفي البداية، وصف مسؤولون يمنيون الغارة على أنها عملية من تنفيذ قوات الأمن اليمنية وتسببت في مقتل 34 “إرهابيا” في مخيم تدريب تُخزن فيه الأسلحة.
وقتل ما لا يقلّ عن أربعة أشخاص بعد الغارة الأصلية لأنهم أمسكوا بذخائر صغيرة لم تنفجر في وقتها وكانت قد تناثرت على مساحة 1.5 كلم أثناء الغارات، وكان ذلك في 21 ديسمبر/كانون الأول 2009، بعد الغارة بأربعة أيام، أثناء تجمع احتجاجي عارم في المعجلة، قتل ثلاثة أشخاص آخرين، وأصيب تسعة آخرون بجروح بسبب انفجار قنابل صغيرة من الذخيرة العنقودية المتبقية، كما توفي ما لا يقل عن شخصين اثنين في نفس المكان، وقام أشخاص هناك بالاتصال بمجموعة من الأشخاص كانوا قد نقلوا معهم بعض من هذه القنابل الصغيرة وحذروهم أنها قد تنفجر، فقام هؤلاء الأشخاص بالتخلص من القنابل الصغيرة، التي كانوا يحملونها كأدلة، فانفجرت وتسببت في مقتل شخص آخر.
بواعث قلق
ومنذ الهجمات على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001، نفذت الحكومة الأمريكية مئات الهجمات المسلحة على إرهابيين مزعومين في عدة بلدان، وتلك العمليات المسماة بالقتل المستهدف عُرّفت كونها هجمات مميتة متعمدة من قبل قوات حكومية، تصطبغ بصبغة القانون، ضد فرد معين ليس رهن احتجازها.
ونُفذت العديد من هذه الهجمات بواسطة طائرات بدون طيار يتم التحكم فيها عن بعد، لكن ليس هذا السلاح مكوناً ضرورياً في كل عمليات القتل المستهدف بشكل عام، ولقد أثار مسلك هذه العمليات بواعث قلق جسيمة حول التزام الحكومة الأمريكية بالقانون الدولي الإنساني (قوانين الحرب) وامتثالها له، ومثله القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وقد أكد الرئيس أوباما وبعض كبار المسؤولين بإدارته في مناسبات عدة على أن برنامج الهجمات المميتة الأمريكي متسق تماماً مع القانونين الأمريكي والدولي، ولكن أخفقت الإدارة الأمريكية في توفير مبرر قانوني واضح لعمليات القتل المستهدف أو الرد على الانتهاكات الظاهرة للقانون الدولي في الهجمات الفردية كل هجمة على حدة، وأكدت إدارة أوباما أن لها سلطة تنفيذ عمليات قتل مستهدف ضد أعضاء القاعدة و”القوات المنتمية لها” غير واضحة التعريف إلى حد بعيد، ومنها “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، من واقع أنها في نزاع مسلح قائم مع هذه الجماعات.
القانون الدولي
وتدّعي الإدارة الأمريكية أن لها هذه السلطة بموجب القانون الأمريكي، قانون التصريح باستخدام القوة العسكرية لعام 2001، الذي مرره الكونغرس في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول وكذلك القانون الدولي الإنساني والحق في الدفاع عن النفس، وإن قانونية عمليات القتل المستهدف ترتبط جزئياً بالقانون الدولي المنطبق، الذي يتحدد من واقع السياق الذي وقعت فيه الهجمات.
وقوانين الحرب منطبقة أثناء النزاعات المسلحة، سواء بين الدول أو بين دولة وجماعة مسلحة غير تابعة لدولة، و قوانين الحرب متوفرة في اتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكولان الإضافيان التابعان للاتفاقيات الأربع، وأنظمة لاهاي لسنة 1907، وقوانين الحرب العرفية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان منطبق في كل الأوقات، لكن يمكن تعليق العمل به من واقع سريان قوانين الحرب أثناء النزاعات المسلحة.
وتتوفر نصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان في عدد من الاتفاقيات، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمعايير الآمرة مثل المبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون، وبالنسبة لقوانين الحرب المنطبقة على القتال بين الولايات المتحدة والقاعدة – أو جماعات أخرى غير تابعة لدول – فإن الأعمال العدائية لابد أن ترقى لمستوى النزاع المسلح كما هو مُعرف في القانون الدولي.
واستناداً إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 وإلى أحكام المحاكم الجنائية الدولية ومصادر أخرى، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد وضعت الشروط التالية التي إذا توفرت فهذا يعني وجود نزاع مسلح بين دولة وجماعة مسلحة (أو بين جماعتين مسلحتين) والمعروف بالنزاع المسلح غير الدولي:
أولاً: يجب أن تصل الأعمال العدائية إلى حد أدنى من الشدة. قد يتحقق هذا الحد الأدنى مثلاً عندما تكون الأعمال العدائية ذات طابع جماعي أو عندما تضطر الحكومة إلى استخدام قواتها المسلحة ضد المتمردين، وليس قوات الشرطة العادية.
ثانياً: لابد أن تُعتبر الجماعات غير الحكومية المتورطة في النزاع بصفتها “أطراف في النزاع” بمعنى أن تكون لديها قوات مسلحة منظمة. هذا يعني على سبيل المثال أن تكون هذه القوات خاضعة لسلسلة قيادة معينة ولها القدرة على شن عمليات عسكرية ممتدة، ويستند هذا المعيار إلى الحقائق على الأرض، وليس إلى آراء غير موضوعية تخرج بها الأطراف الضالعة في النزاع.
غير مميتة
وفي غياب النزاع المسلح، يطالب القانون الدولي لحقوق الإنسان القوات الضالعة في العمليات ضد المشتبهين بالإرهاب بأن يطبقوا معايير إنفاذ القانون، وإن هذه المعايير لا تحظر استخدام القوة المميتة، لكن تحد من استخدامها بحيث تقتصر على المواقف التي يكون خسارة الحياة البشرية فيها وشيكة، ولا يمكن للسبل الأقل تطرفاً مثل الأسر أو استخدام السبل غير المميتة، أن تكون فيها كافية، وبموجب هذه المعايير، لا يمكن استهداف الأفراد بهجمات مميتة لمجرد لجوئهم إلى سلوك غير قانوني في الماضي، بل يتم استهدافهم بموجب القانون فقط إذا كانوا يمثلون تهديداً وشيكاً وجسيماً على الحياة مع عدم وجود قدرة معقولة على القبض عليهم.
إن القتال بين الحكومة اليمنية والقاعدة في الجزيرة العربية قد وصل منذ عام 2011 على الأقل إلى مستوى النزاع المسلح، غير أن تحديد متى بدأ النزاع بالضبط عملية صعبة، وفكرة أن هناك نزاعاً مسلحاً بين الولايات المتحدة والقاعدة في شبه الجزيرة العربية أمر أقل وضوحاً.
وقد أقرت الحكومة الأمريكية بأنها توفر للحكومة اليمنية أسلحة وتدريبات ومعلومات استخباراتية لمواجهة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكنها لم تزعم أنها طرفاً يحارب القاعدة في شبه الجزيرة العربية باليمن إلى جانب الحكومة اليمنية. قال أوباما إن الولايات المتحدة لا تنفذ هجمات ضد أفراد في اليمن إلا إذا كانوا يمثلون تهديداً مباشراً على الولايات المتحدة أو مصالحها.
التدخل المباشر
وطبقاً لمستشار مكافحة الإرهاب الأمريكي السابق جون برينان: إذن بينما قمنا [الولايات المتحدة] بمساعدة اليمن والحكومة اليمنية في بناء قدراتها على التعامل مع تمرد القاعدة في شبه الجزيرة العربية في الأراضي اليمنية، فنحن لسنا ضالعين في التعاون مع الحكومة اليمنية من خلال التدخل المباشر أو الإجراءات المميتة ضمن جهود التصدي لهذا التمرد.
وفي تلك الحالات عندما تتصرف الولايات المتحدة كطرف في النزاع المسلح بين الحكومة اليمنية والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، يدخل التدخل العسكري الأمريكي في عداد قوانين الحرب، لكن الإدارة تؤكد على أنها ترد فقط على تهديدات للولايات المتحدة، لتوحي بأنها لا تعتبر نفسها طرفاً في النزاع بين الحكومة اليمنية والقاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وبموجب هذا المنطق، فإن الحكومة الأمريكية إذن لابد أن تطبق نموذج الحرب على أعمالها فقط إذا كان هناك نزاع مسلح فعلي بين الولايات المتحدة والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو الأمر غير الظاهر، وإلا فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تتصرف وفقاً لأعلى عتبة لاستخدام القوة بموجب معايير تطبيق إجراءات إنفاذ القانون المتوفرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
والدعائم الأساسية لقوانين الحرب هي “حصانة المدنيين” و”التمييز”، ومطلوب من أطراف النزاع أن تميز في جميع الأوقات بين المقاتلين والمدنيين، وأن توجه الهجمات إلى المقاتلين فقط والأهداف العسكرية، والهجمات المتعمدة على المدنيين والأعيان المدنية محظورة تماماً، وكذلك من المحظور شن الهجمات التي لا يمكنها أن تميز بين المقاتلين والمدنيين، أو التي تكون الخسارة المتوقعة فيها في أرواح أو ممتلكات المدنيين غير متناسبة مع الميزة العسكرية المتوقعة من الهجوم.
وليست كل الهجمات التي تؤدي إلى وفيات في صفوف المدنيين تخرق قوانين الحرب، بل فقط تلك التي تستهدف المدنيين، والهجمات العشوائية أو التي تؤدي إلى خسائر غير متناسبة في صفوف المدنيين، ولذلك تتكون الأهداف العسكرية من المقاتلين وتلك الأهداف التي بطبيعتها أو موقعها أو الغرض منها تسهم إسهاماً فعالاً في العمل العسكري والتي يؤدي تدميرها الكلي أو الجزئي أو أسرها أو تصفيتها في الظروف الحاكمة وقتها، إلى ميزة عسكرية واضحة.
والمقاتلون يشملون أعضاء الجماعات المسلحة الذين يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية. يشمل هؤلاء الأفراد الذين يخططون أو يوجهون العمليات العسكرية في المستقبل، لكن ليس مجرد مجندين أو عاملين بالدعاية العسكرية لا دور عسكري عملياتي لهم. لا يمكن مهاجمة المدنيين عن عمد إلا عندما “يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية” وطيلة مشاركتهم فقط.
وأثناء العمليات العسكرية على الأطراف المتحاربة أن تراعي دائماً إعفاء السكان المدنيين والأعيان المدنية من آثار الأعمال العدائية، ومطلوب منها اتخاذ الاحتياطات من أجل تفادي وتقليص الخسائر العارضة في حياة المدنيين وإصابة المدنيين والإضرار بالأعيان المدنية.
وتشمل هذه التدابير: بذل كل المستطاع من أجل التأكد من أن الأهداف الخاضعة للهجوم هي أهداف عسكرية وليست مدنيين أو أعيان مدنية، واتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة في اختيار سبل وأساليب الحرب لتقليص الخسارة في أرواح المدنيين، وبذل كل المستطاع من أجل إلغاء أو وقف الهجمة إذا تبين أنها لا تستهدف هدفاً عسكرياً بل سوف تؤدي إلى خسارة غير متناسبة في صفوف المدنيين.
كما تفرض قوانين الحرب التزاماً على الأطراف المتحاربة باتخاذ الخطوات اللازمة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين. تشمل هذه التدابير: تفادي وضع الأهداف العسكرية في مناطق كثيفة السكان أو قريبة منها، والعمل على إبعاد السكان المدنيين عن الأهداف العسكرية، وعدم تعمد السعي لمنع الهجمات على القوات باستخدام المدنيين كـ “دروع بشرية”.
أهداف مشروعة
وتشير تصريحات وتصرفات الحكومة الأمريكية إلى أن القوات الأمريكية تطبق تعريفاً فضفاضاً إلى حد بعيد لـ “المقاتلين” في الهجمات المستهدفة، على سبيل المثال باعتبار الأشخاص أهدافاً مشروعة بناء على كونهم مجرد أعضاء في التنظيم، وليس لما يضطلعون به من أدوار عملياتية عسكرية في الجماعة المسلحة.
ولذلك إن الأفراد الذين يرافقون أو يدعمون جماعة مسلحة منظمة، لكن أنشطتهم لا صلة لها بالعمليات العسكرية، لا يعتبرون أهدافاً عسكرية مشروعة بموجب قوانين الحرب، ومن ثم فإن أعضاء الجماعة المسلحة الذين يلعبون أدواراً سياسية أو أدواراً تنسيقية لا صلة مباشرة لها بالعمل العسكري، لا يمكن استهدافهم بناء على هذا المعيار وحده.
وعليه فإن ممارسة ما يُدعى بـ “ضربات الدلائل” في اليمن بناء على ملاحظة أنساق مزعومة معينة من السلوك وغيرها من “الدلائل” يوسع من مفهوم الاستهداف بما يتجاوز مقتضيات قوانين الحرب، ولا تطالب قوانين الحرب بأن يكون اسم أو هوية الهدف معروفين، ولكن تطالب بوجود معرفة حول مشاركة المرء في الأعمال العدائية، وتنفيذ “ضربات الدلائل” يزيد من خطر استهداف المدنيين، رغم الالتزام بموجب قوانين الحرب بافتراض أن المرء مدنياً ما لم يُحدد أنه هدف عسكري مشروع.
الحق في الحياة
وينص القانون الدولي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص حق أصيل في الحياة، ويسمح باستخدام القوة المميتة خارج النزاعات المسلحة فقط في المواقف التي تكون القوة المميتة فيها لا غنى عنها وضرورية بشكل مباشر لإنقاذ الحياة، على وجه التحديد، فإن استخدام القوة المميتة يكون قانونياً فقط عندما يكون هناك تهديد وشيك للحياة ولا تكون السبل الأقل تطرفاً مثل الأسر أو السبل غير المميتة، كافية للتصدي للتهديد.
وورد في مبادئ الأمم المتحدة الأساسية الخاصة باستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون أن “استخدام الأسلحة النارية عمداً بشكل مميت لا يتم إلا عندما يكون لا بديل عنه لحماية الأرواح”، وهذا المعيار يسمح باستخدام الأسلحة النارية فقط في حالات الدفاع عن النفس أو عن آخرين “ضد تهديد وشيك بالموت أو الإصابة الجسيمة” أو “لمنع ارتكاب جريمة خطيرة معينة تنطوي على التهديد للأرواح” و”فقط عندما تكون السبل الأقل تطرفاً غير كافية لتحقيق هذه الأهداف، وبموجب هذا المعيار، فلا يمكن استهداف الأفراد بالهجمات المميتة على سلوكهم غير القانوني في الماضي، بل فقط في حال وجود تهديدات وشيكة أو تهديدات جسيمة أخرى على الأرواح عندما لا يكون القبض عليهم ممكناً لأسباب معقولة.
وبناء عليه إذا استهدفت الولايات المتحدة أفراداً بناء على تفسيرات فضفاضة للغاية لفكرة التهديد الوشيك للأرواح الذي قد يمثلونه، فإن عمليات القتل هذه قد ترقى لمصاف الإعدام خارج نطاق القضاء، وهو من انتهاكات الحق في الحياة والحق في إجراءات التقاضي السليمة، وورد في اتفاقيات جنيف أن “تتعهد الأطراف السامية بأن تحترم الحق الأصيل في الحياة لكل إنسان، وهذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”، وعندما توجد أدلة موثوقة على وقوع هجوم خرق قوانين الحرب، فإن الدولة الطرف المسؤولة عليها التزام بالتحقيق في احتمال وقوع جرائم حرب وأن تلاحق الجناة على النحو الملائم، أو تسلمهم للملاحقة القضائية في مكان آخر.
ويكون على الأطراف المتحاربة التزام بتوفير الانتصاف على خسارة الحياة أو الإصابة جراء انتهاك لقوانين الحرب، وعدم قابلية الحكومة الأمريكية للإقرار بهذا – ناهيك عن توفير أي معلومات بشأن هجمات مستهدفة محددة – حرمت ضحايا الهجمات غير القانونية وأقاربهم من أي سبيل حقيقي للانتصاف.
ورغم أن الحق في التعويض وارد أيضاً في القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيثما توجد أدلة على أن القتل المستهدف ربما خرق القانون الدولي لحقوق الإنسان، فعلى الدولة أيضاً التزام بالتحقيق، بالإضافة إلى هذه الأحكام العامة، فثمة بعض الأدوات التي توفر ولاية محددة للمحاكم الدولية والإقليمية بأن توفر الجبر والتعويض على انتهاكات حقوق الإنسان.
لا تعرف هيومن رايتس ووتش بتقديم الحكومة الأمريكية أية تعويضات للضحايا المدنيين أو أقاربهم في اليمن. رداً على طلب بموجب قانون حرية المعلومات، قالت القيادة المركزية للجيش الأمريكي لخدمة “برو – ببليكا” الإخبارية أن لديها 33 صفحة على صلة بـ “تعويضات مدفوعة” في اليمن، لكن القيادة المركزية رفضت الإفراج عن هذه الوثائق أو وصفها.
القتل المستهدف
ورداً على دعوات متزايدة للشفافية حول برنامج القتل المستهدف، وضع الرئيس أوباما في 23 مايو/أيار 2013 خطوات قال إن إدارته تتخذها أو سوف تتخذها قبل استهداف أي فرد بهجمات، وبالإضافة إلى هذه الكلمة، أصدر البيت الأبيض ورقة “تلخص” إرشادات سرية للرئيس حول السياسات بشأن القتل المستهدف.
الكلمة الخاصة بالرئيس والورقة الصادرة عن البيت الأبيض لم توضحان بما يكفي المنطق القانوني وراء عمليات القتل المستهدف، ولم تتصد أي منهما لقانونية الهجمات، لكن بشكل عام فإن السياسات التي تم الكشف عنها في كلمة الرئيس وفي الورقة الصادرة عن البيت الأبيض توحي بوجود سياسة تعكس أعلى عتبة لاستخدام القوة المميتة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي العتبة الأعلى مما تطالب به قوانين الحرب.
أي أن المعايير الواردة تتجاوز مطالب قوانين الحرب، وقد يكون هذا مؤشراً على تحول داخل الإدارة الأمريكية من نهج النزاع المسلح نحو نهج إنفاذ القانون في العمليات ضد الإرهابيين المزعومين، لكن الإدارة لم تشر إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بهذه السياسات، وتحدثت عن استيفاء الأدلة الإرشادية للسياسات وليس الالتزام بالقانون.
ولم تشر كلمة الرئيس وورقة البيت الأبيض إلى السياسات التي تم تنفيذها وأي منها ستنفذ في المستقبل، فضلاً عن ذلك، رفض البيت الأبيض أن يصدر علناً الأدلة الإرشادية الخاصة بالسياسات، وهي الوثيقة التي يفترض أن ورقة البيت الأبيض تستند إليها، ولا يظهر أن أي من الضربات التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش أثناء إعداد التقرير قد التزمت بالأدلة الإرشادية للسياسات المذكورة، والأقل وضوحاً هو ما إذا كان هذا بسبب أن المعايير التي كشفت عنها الإدارة في مايو/أيار 2013 غير مفعلة في ذلك التوقيت أو لأن القوات المسلحة الأمريكية أخفقت في تطبيقها.
لا توجد أدلة
ورغم ذلك لكن لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة على تحقيقات بعد الهجمات الأمريكية للتثبت من مدى وقوع خسائر في صفوف المدنيين، وأنه بدأت السلطات اليمنية في دفع تعويضات لبعض المدنيين في حالات موصوفة في التقرير بعد أن قامت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى بإثارة بواعث قلق بشأنهم أمام الولايات المتحدة واليمن حول الإخفاق في تعويضهم. لكن إذا كانت الولايات المتحدة قد أسهمت في هذه المدفوعات، فلم تعلن على الملأ عن هذه المعلومات.
وتقول الولايات المتحدة إن برنامجها لهجمات الطائرات بدون طيار نجح في التخلص من أعضاء القاعدة في عدة بلدان. ويقول بعض اليمنيين إنه لولا هذه الضربات لاستولى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على المزيد من الآراضي في أنحاء اليمن.
وأبلغ وزير الخارجية أبو بكر القربي رويترز في سبتمبر أيلول الماضي، أن ضربات الطائرات بدون طيار “شر لابد منه” وتحدث بالتنسيق مع الحكومة اليمنية، ويقول يمنيون آخرون وبعض السياسيين الأمريكيين إن الغارات والضحايا المدنيين تزيد من حجم التعاطف مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتذكي مشاعر الغضب من الولايات المتحدة. ويستهدف التنظيم الذي ينتشر في أنحاء اليمن حاليا الشرطة المحلية ومسؤولي الأمن الذين يسيطرون بصعوبة على البلاد.
وأبلغ الان جرايسون وهو عضو ديمقراطي في الكونجرس الأمريكي عن ولاية فلوريدا رويترز أنه وفقا لمسؤول أمريكي خدم في اليمن “تؤدي كل غارة بطائرة بدون طيار إلى انضمام 50 إلى 60 عضوا جديدا للقاعدة”،ووصف جرايسون الذي شارك مؤخرا في جلسة بالكونجرس ضمت أقارب ضحايا غارات طائرات بدون طيار هذه السياسة بانها “غير فعالة”.
الحكومة تتغاضى
وتتغاضى الحكومة اليمنية عن الهجمات ولا تعلق عادة على الدور الأمريكي في وقائع بعينها، وتكافح الحكومة اليمنية لتستعيد كامل سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي يهيمن عليها المتشددون والانفصاليون، لكن راجح بادي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء قال لرويترز إن الضربات تسببت في بعض الحالات في انضمام أفراد إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بدافع الثأر خاصة حينما تستهدف أبرياء.
وعند سؤاله عن برنامج الطائرات بدون طيار والضحايا المدنيين أشار مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية إلى تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مايو آيار الماضي، قال فيها انه قبل تنفيذ أي ضربة “يجب أن يكون هناك شبه يقين من أنها لن تقتل مدنيين أو تصيبهم.”
ورغم أن الهجمات نالت من قدرة المتشددين أبلغ سكان في عدة أنحاء باليمن رويترز خشيتهم من أن يأتي برنامج الطائرات بدون طيار بنتائج عكسية، وفي العاصمة صنعاء أقر عبد الرزاق الجمل الصحفي الذي نظم مقابلات مع العديد من أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بأن الجماعة تلقت عدة ضربات موجعة لكنه قال إن الغارات منحتها أيضا أعضاء جددا.
وأشار إلى أن بعض السلفيين غاضبون لأن الضربات تقتل السنة الذين يشكلون غالبية اليمنيين وليس المتمردين الحوثيين الشيعة الذين يقاتلون الحكومة منذ سنوات، وقال جمال “مطاردة القاعدة دفعت الكثير من السلفيين إلى التقرب منها. لماذا لا تتعقب هذه الطائرات المسلحين الشيعة الذين يرددون (الموت لأمريكا والموت لاسرائيل)، مشيرا إلى الشعار الذي يردده الكثير من المتشددين الشيعة في اليمن وغيره، وتابع “مئات الأسر تسعى للثأر من أمريكا ولهذا ينضمون إلى صفوف القاعدة”.
غير متكافئة
وقالت باربرا ليف مساعدة نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شبه الجزيرة العربية خلال جلسة للجنة فرعية في الكونجرس في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي، “نواجه الآن تنظيما أكثر تشتتا يركز على أساليب حرب العصابات والهجمات غير المتكافئة ضد القوات اليمنية… أتمنى لو كانت هناك عصا سحرية لعلاج هذا. لا توجد عصا سحرية.. نعرف هذا كما يعرفه اليمنيون.”
وأضافت ليف: إن استمرار الدعم الأمريكي للأمن اليمني مسألة “حيوية” وأقرت بأنه في حين تمتلك الحكومة اليمنية الارادة للتصدي للقاعدة في جزيرة العرب “فانها تفتقر للقدرة في هذا الوقت لبسط الأمن في كافة أنحاء البلاد”.
وفي مواجهة انتقادات من جماعات حقوقية دولية ومخاوف الأمريكيين من الانخراط في مزيد من الصراعات الاقليمية أقرت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي العام الماضي، خطة لزيادة الرقابة على هجمات الطائرات بدون طيار بما في ذلك إجراء إحصاء سنوي للضحايا. لكن مجلس النواب رفض هذه الخطوة في أواخر نوفمبر تشرين الثاني.
ويعتقد آخرون أن الحل الوحيد في المدى الطويل لقضية المتشددين في المنطقة هو الدبلوماسية، وقال حمود الهتار وزير الاوقاف السابق الذي كان رئيسا لبرنامج لاعادة تأهيل المتشددين السجناء في أوائل القرن الحادي والعشرين إن تغيير فكر المتشددين هو الطريق الأفضل للتعامل معهم، وأضاف أن استخدام القوة لن يؤدي سوى إلى تعزيز فكرة استخدام القوة وإنه ينبغي العمل على تغيير الجذور الفكرية وإلا سيستمر الإرهاب.
سخط شعبي
ورغم السخط الشعبي في اليمن من هذه العمليات، فإنها تحظى بموافقة على استحياء من الحكومة التي تعتبر الهجمات بدون طيار “شرا لا بد منه”، ومنذ عام 2009، نشطت وتيرة الهجمات الأميركية بدون طيار، وقتلت العشرات من اليمنيين أغلبهم لا ينتمون للقاعدة، حسب إحصاءات دولية.
ويبدو الناشط الحقوقي اليمني محمد ناجي علاو على يقين أن هذه الهجمات سوف تستمر في اليمن، لكن الهدف منها في رأيه يتخطى بكثير القضاء على القاعدة، ويضيف علاو، وهو رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) ومقرها صنعاء، إن “القاعدة مشروع استراتيجي بالنسبة لأميركا وذريعة للتدخل في اليمن وغيرها. إذا لم توجد القاعدة ستخلق واشنطن قاعدة أخرى”.
ويقول علاو: “لا أستغرب على الإطلاق تصريحات أوباما التي تعني مزيدا من الهجمات على اليمن تحت ذريعة محاربة القاعدة”، إلا أن الثابت لدى منظمته الحقوقية أن “20 % على أقصى تقدير من قتلى الغارات الأميركية بدون طيار منتمون فعلا للقاعدة، أما الباقون فهم أطفال أو نساء أو مسنون ممن لا علاقة لهم بهذا التنظيم”، ويقلل علاو من دور وزارة حقوق الإنسان اليمنية واصفا إياه بأنه “دور أخلاقي فقط، ومهمة الوزارة إصدار بيانات إدانة لهذه العمليات ليس أكثر”.
ويتفق المحلل السياسي اليمني نبيل الشرجبي مع علاو، وأن الهجمات الأميركية بطائرات بدون طيار سوف تستمر، مشيرا إلى أن محاربة القاعدة في اليمن “سيطول ويستغرق وقتا أكثر من اللازم”، إذ ان هناك عدة عوامل تجعل الحكومة اليمنية راضية عن مثل هذه العمليات، منها أن هذه الحكومة تقاتل على أكثر من جهة داخلية، في إشارة إلى التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها.
ويضيف: “هناك أيضا معضلات أمام الجيش تجعله يستعين بالأميركيين لمحاربة القاعدة. منها ضعف إمكاناته وانشغاله بقضايا أمنية أخرى في البلاد”، مشيراً إلى تباين المشاعر الشعبية تجاه هذه العمليات، إذ يؤيد قطاع من اليمنيين استمرارها في الفترة الأخيرة بعد أكثر من هجمة دامية تبناها
التنظيم في اليمن، ويضيف: “في المقابل هناك قطاع آخر يستاء من الغارات الجوية الأميركية بدون طيار لأنها أحيانا تخطئ أهدافها وتقتل أبرياء”.
منقول