مباهج احتفالات شعبنا بعيد الثورة اليمنية 26سبتمبر المجيدة اليوم هي أفراح بإشراقة الأمل في روح شعب لطالما ناضل وكافح وضحى وفي طليعته حركته الوطنية من أجل التحرر والانعتاق من بوتقة التخلف وحياة أزمنة لم تعد البشرية تعيشها منذ قرون وأصبحت جزءاً من تاريخ مضى وزمن ولَّى, فكانت ثورة 26سبتمبر 1962م ثورة إنسانية فجرها حالمون بيمن جديد ينشد أبناؤه وطناً ينعمون فيه بنظام سياسي جمهوري يحقق لهم العدل والحرية والمساواة في ظل دولة مدنية تقفز بهم من حالة الجمود إلى حركية التغيير والتحول صوب البناء والنماء والنهوض الحضاري الشامل ومواكبة التطور والتقدم الإنساني الذي تعيشه شعوب الثورات العربية في مصر والجزائر والعراق المنعتقة من جور الاستعمار وطغيان الحكام المحليين المتحالفين معه.. فكانت ثورة سبتمبر منبعاً أصيلاً من واقع اجتماعي يمني.. وفي ذات الوقت كانت امتداداً لثورات حركات التحرر العربية والعالمية.
لقد كان حلم اليمنيين في التغيير وفي اجتياز الاستبداد أكبر بما لايقاس من الواقع.. ولذا فإن شعلة الأمل توهجت جذوتها في قلوبهم وعقولهم منحتهم القوة والإرادة في مواجهة التحديات والأخطار التي اعترضت مسيرة ثورتهم, مفعمين بالإيمان أنهم يخوضون معركة الانتصار فيها هو من سيصنع الحاضر الذي يستحقه شعب حضاري عريق وعظيم كشعبنا اليمني ومستقبل أجياله القادمة.
ومع أن الثورة اليمنية 26سبتمبر و14أكتوبر انتصرت للنظام الجمهوري والاستقلال الناجز.. إلاَّ أن الطريق أمام ذلك الرعيل من المناضلين الشجعان الجسورين لم تكن مفروشة بالورود بل بالأشواك التي غرستها الدسائس والمؤامرات الداخلية والتي كان لها امتداداتها الخارجية لتستمر الصراعات والحروب والأزمات لتشكل بمرور الوقت تراكمات مؤلمة تحولت بمرور الوقت إلى تركة ثقيلة, وكلما استطاع كاهل شعبنا التخفيف من أثقالها والانطلاق لتعويض ما فاته من التنمية التي تنهي أوضاعه البائسة التي شملت كافة المجالات من جديد تطل الفتن التي تؤججها أطراف انحرفت بها البوصلة, وظلت طريقها أو تصدر مغامرون للتسلط والهيمنة لتحقيق مآرب تتعارض وتتناقض مع مصالح الوطن العليا وتطلعات أبنائه..
ومع هذه التحديات تطاولت وسعت إلى تعويق المسار الوطني إلا أن هذا لا يعني أن الثورة اليمنية لم تحقق مضامين أهدافها على الصعيد السياسي والاقتصادي التنموي والخدمي, فقد حققت انتقالات نوعية في مسارات التعليم والصحة والطرق والاتصالات والكهرباء والمياه والخدمات الأساسية ومجالات أخرى شواهدها الخيرة يراها بوضوح كل ذي بصر وبصيرة, وإن كانت ليست في مستوى الطموحات والتطلعات لأسباب تعود لما أعتور طريقها من دروب صعبة وانعطافات حادة كادت في أكثر من مرحلة أن تقذف باليمن إلى مهاوي الخراب والدمار والفوضى والتشظي, وهو ما نعاني منه حتى اليوم, ولكن أملنا بانتصار العقل والحكمة التي كانت حاضرة في كل الفترات الدقيقة والحساسة التي مر بها اليمن وثورته في الفترات السابقة ومازال..
ويبقى التأكيد على حقيقة أن الثورات والثوار ليسو المسؤولين عن مآلات مساراتها اللاحقة من أوضاع أنتجتها صراعات وحروب وفساد أولئك الذين يغلبون مصالحهم الأنانية الضيقة على مصالح الوطن الشعب وبالتالي فإن احتفالنا اليوم بالعيد الثاني والخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر تجسيد لهذه الحقيقة.. فالثورة تاريخ متجدد يمتد من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل.. هكذا كانت وستبقى الثورات لا في تاريخ اليمن, وإنما في تاريخ الإنسانية كلها.